الأحد، 24 فبراير 2013

الحلقة الثانية و العشرون: مفاسد "الإسلاموقراطية" التي لا تعدلها مصلحة

الحلقة الثانية و العشرون: مفاسد "الإسلاموقراطية" التي لا تعدلها مصلحة
 


أحبتي الكرام نحن اليوم على موعد مع موضوع في غاية الأهمية، وهو الأضرار العقدية التي نتجت عن أخطاء الـ"إسلاميين" في عملهم السياسي.
إخواني، في هذا المحور من السلسلة سنسير بإذن الله على النحو التالي، وهنا تفصيل دقيق فأرجو التركيز:
- سنوضح الأضرار العقدية الفكرية المنهجية التي أصابت كثيرا من المسلمين جراء الممارسات السياسية الخاطئة لبعض الــ"إسلاميين". وهذا سينقلنا إلى الخطوة التالية:
- حيث سنقول لهؤلاءالـ "إسلاميين": أنتم بررتم ممارساتكم السياسية هذه باستخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. قلتم أن ممارساتكم السياسية تجلب مصالح أعظم من المفاسد الناتجة عنها. الآن وبعد أن بينا في الخطوة الأولى حجم المفاسد الناتجة عن ممارساتكم.
تعالوا نطبق قاعدتكم التي ناديتم بها ونعيد الحساب لنرى أن المفاسد العقدية المنهجية التي حصلت حتى الآن أكبر من كل مصلحة موهومة مظنونة تتمنونها. وبالتالي فقواعدكم النظرية نفسها تقود إلى تحريم ممارساتكم.
- ثم في الخطوة الثالثة سنبين أننا لا نقر أصلا بطريقة الـ"إسلاميين" البرلمانيين في استخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. وسنبين الانحراف الشديد في تطبيق هذه القاعدة بحيث هدمت قواعد الإسلام وأنتجت في النهاية دينا جديدا ليس هو دين الإسلام
إذن سنمهد اليوم للحديث عن الآثار الكارثية لانخراط "الإسلاميين" في العملية الديمقراطية ولموقفهم المتخبط من الشريعة وللتنازلات التي قدموها...آثار ذلك كله على عقائد المسلمين وتصوراتهم.
نحن عندما نقول آثار كارثية على عقيدة المسلمين، ماذا نقصد؟ سأذكرها هنا على عجالة والتفصيل يأتي في الحلقات القادمة لنعرف موطن الخلل ونعالجه بإذن الله. والمتابع للمواقف والتغيرات التي طرأت على فكر الناس ولغة خطابهم سيحتشد في ذهنه الكثير من الشواهد لكل أثر أذكره.
من هذه الآثار أن كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام أُشرب المبادئ الديمقراطية في قلبه وأصبح ينادي بها ويدعو إليها ويدافع عنها...مع أن قوى الغرب وعملاءَهم من العلمانيين فشلوا عبر عقود في ترويجها في بلاد المسلمين، فكان حصان طروادة الذي روجها في النهاية هم بعض "الإسلاميون" أنفسهم.
من هذه المبادئ التي راجت:
- أن الشعب هو صاحب السلطة التشريعية الذي له الحق في أن يشرع لنفسه ما يشاء،
- وأن إرادته محترمة وإن صادمت الشريعة، فالحق ما أحقه الشعب والباطل ما أبطله
- منها ضياع عقيدة الولاء والبراء
-والتسويةُ بين المسلم والكافر على أساس المواطنة حتى فيما فرق الشرع فيه من حيث المعاملات، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية
- منها وضع الإسلام على قدم المساواة مع الأديان الأخرى ومع المناهج الوضعية
- منها أنه تميعت في النفوس حقيقة أن الإسلام هو الحق المطلق وما دونه باطل وضلال
- وقل شأن الشريعة في النفوس فأصبحت بعض القيم المنادى بها كالحرية وتقوية الاقتصاد مقدمة على الشريعة
-وضعفت الثقة في رصيد الفطرة الذي أودعه الله في نفوس عباده لينجذبوا إلى شرعه
من هذه الآثار لممارسات الإسلاميين الديمقراطيين
أنها:
- جعلت كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام يسوغون ويبررون الحكم بغير ما أنزل الله ويصفونه بالعقلانية والواقعية
- ويقبلون بالاحتكام إلى القوانين الوضعية
- ويكرهون أحكاما هي في حقيقتها من الشريعة بل ويستهزئون بها
-ويرون شرع الله غير صالح للتطبيق في بعض الأمكنة والأزمنة ويتخوفون من تطبيقه
-- ويتصورون أن أخلاق الناس وسلوكهم يمكن أن تَصلح بقوانين وضعية بدلا من الشريعة
-من هذه الآثار:
- ضياع معنى العبودية لله وضياع قضية أن الحكم لله
- وهزلت صورة الشريعة بحيث راجت فكرة أنْ تُعرض أحكام الله على العبيد ليختاروا منها ما شاؤوا
- وتصور البعض أن الشريعة تقبل أن تكون ترقيعية للأنظمة الجاهلية
من هذه الآثار أن الناس راجت بينهم افتراءات على أنبياء الله،
مثلَ فرية أن رسول الله تنازل في الحديبية، وعطل بعض الحدود خوفا من ردة الفعل!
بل نسبوا إلى أنبياء الله تقديم بعض القيم على الدين مثل فرية أن هارون قدم الوحدة القومية على التوحيد، بل ونسبوا إليهم أعمالا كفرية مثل فرية أن يوسف عليه السلام حكم بغير ما أنزل الله.
من هذه الآثار:
-تعود الناس على عدم احترام الدليل الشرعي، ومعارضتِه بالحجج "العقلية"، وشيوعُ علمانية مغلفة بغلاف سلفي!
من هذه الآثار:
- أن "الإسلاميين" أنفسهم بممارساتهم وتصريحاتهم ثبطوا المارد الإسلامي المنتفض وفرغوا الشحنة الهائلة التي سرت في الشعوب الإسلامية إبان الثورات العربية ونزلوا بسقف طموحاتها وحدوا من آمالها...
درو اعتدناه من أعداء الإسلام الصرحاء، لكنه هذه المرة –وللأسف- مارسه من يوصفون بأنهم إسلاميون.
من هذه الآثار:
- تبرير التفلت من أوامر الله عز وجل ونواهيه تحت مسمى التدرج، بحيث أصبح التدرج شعاراً فكرياً ينادى به وتبرر به الممارسات على مستوى المؤسسة والعائلة، بل والفرد، وهذا من أخطر الآثار.
من هذه الآثار لممارسات البرلمانيين:
- أنها أضفت "شرعية" في عيون الناس على الأنظمة الجاهلية بعدما تزلزلت أركانها، فأعطت لهذه الأنظمة قبلة الحياة.
من هذه الآثار:
-أنها هزت صورة الدعوة والدعاة في نفوس الناس، فظهر الدعاة ميكافيليين براغماتيين نفعيين متلونين يمارسون التقية السياسية وينافسون أهل الباطل على دنياهم ومناصبهم، مما سيضرب دعوتهم في الصميم وينفر الناس عنها.
من هذه الآثار:
-أنها روجت للانهزامية النفسية، بحيث يُحسب ألف حساب للنصارى في بلاد المسلمين وللعلمانيين فيصبح التفكير في رضاهم وسواسا قهريا يحكم التصرفات والتصريحات، ويُلتمس رضاهم أكثر مما يُلتمس رضا الله عز وجل.
ومن أهم الآثار للممارسات السلبية لبعض الـ"إسلاميين":
-الاستهانة بهذه الآثار المتقدم ذكرها جميعا، وعدم إعطائها أي وزن عند مقارنة المصالح الموهومة بالمفاسد. وقد حصلت الاستهانة من كثير من العلماء والدعاة أنفسهم،
وهذا يرسل للعقل الجمعي واللاشعور رسائل في غاية السلبية، حيث تقلل هذه الاستهانة من شأن العقيدة وسلامتها وتقلل النفور مما يضادها من باطل.
هذه الآثار السلبية كلها تكاد لا تُذكر أبدا عند مقارنة المصالح بالمفاسد، مع أن كل أثر منها ينطبق عليه قول الله تعالى: ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))!
هذه الآثار الكارثية لو مُزج أي منها ببحر من المصالح لأفسده.
هذه الآثار السلبية يمكن تلخيصها بكلمتين: ضياع الدين!
وبعد هذا كله يتساءل البعض: لماذا لا توجه نصائحك في هذه السلسة بشكل شخصي إلى الأحزاب الإسلامية وقياداتها بدلا من نشرها على العلن؟
والجواب إخواني أن أهم ما دفعني إلى السير في هذه السلسلة هو هذه النتائج الكارثية على عقائد الناس وتصوراتهم وأفكارهم والتي تتحملون أنتم يا بعض "الإسلاميين" القسط الأكبر منها جراء ممارساتكم الخاطئة. هذه الأخطاء تمت في العلن وكانت آثارها السلبية عامة، فلا يصلح معها الإسرار إلى الخاصة.
ولا بد من التأكيد على أننا إنما نستخدم مصطلح "الإسلاميين" في هذا المقام تجوزا واختصارا. فنحن نقصد بالمصطلح من يُجوز التغيير من خلال البرلمانات والانتخابات الرئاسية ضمن المنظومة التشريعية الديمقراطية والدساتير الوضعية.
وهذا الطرح لا نُقر أبدا بأنه إسلامي أصلا، خاصة بعد استعراض آثاره الخطيرة الهادمة للإسلام. ولذا فسنميل إلى استخدام مصطلح (دعاة الديمقراطية) بدلا من "إسلاميين".
ونُذَكر أيضا بأننا نعي وجود أحزاب وتوجهات إسلامية وأفراد عاملين على تغيير الواقع بطرق نرى فيها صوابا وخطأ، لكنهم على الأقل سلموا من سلوك طريق الديمقراطية والتنازلات ومن التبرير لها.
فليس النقد والتصويب في هذه السلسلة بالذات موجها لهؤلاء.
نعود فنقول: هل تنبأ العلماء من قبل باحتمالية حصول شيء من الآثار السلبية المذكورة؟ الجواب: نعم. لكن، هل اتخذوا منها الموقف المناسب بعد ظهورها؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة: مسلك دعاة الديمقراطية نتج عنه أضرار على عقائد الناس هي شر من كل مصلحة مرجوة.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الحلقة الحادية و العشرون: قصة عَجلان وسليمة

الحلقة الحادية و العشرون: قصة عَجلان وسليمة
 



السلام عليكم ورحمة الله. أحبتي متابعي سلسلة نصرة للشريعة، دعونا أحدثكم عن قصة عَجلان.
عَجلان رجل تعلق قلبه بسليمة...أراد خطبتها من أبيها فطلب منه مهرا عاليا. اجتهد عجلان وفكر...وقاس المصالح وقدر...هو يستطيع أن يدفع هذا المهر لكن هناك طريقة أوفر: سيأتي بالمأذون وبالعروس وبشاهدين...أما أبو سليمة فسيتجاوزه عجلان ويأتي بدلا منه بصديقه بَرمان، وهو شاب محترم متدين. سيطلب عجلان فتاته من برمان بدلا من أن يطلبها من أبيها، لأن برمان سيوافق على مهر أقل.
وبالفعل، ارتبط عجلان بسليمة وقرئ في حفلهما القرآن وكان حفلا إسلاميا بامتياز، دعي إليه المشايخ والفضلاء. عاش عجلان وسليمة في بيت واحد، وكانا يقومان الليل ويصومان النهار، كان عجلان يحرص كلما أتى أهله أن يقول: (بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). أصبح لديهما أولاد. أما المال الذي وفره عجلان عندما تجنب إعطاء المهر العالي لوالد سليمة فقد أنفقه عجلان على تحفيظ الأولاد القرآن في المراكز الإسلامية.
كانت هذه، باختصار، قصة عجلان وسليمة...أسئلة تطرح نفسها وأود منك أخي أن تجيبني عنها:
1) هل زواج عجلان بسليمة زواج شرعي؟
الجواب: في الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل)).
إذن فزواجهما غير شرعي.
2) كون برمان شابا محترما متدينا، ألا يضفي هذا شرعية على زواج عجلان بسليمة؟
الجواب: ما دام أن سليمة طُلبت من غير وليها فلا فرق بين أن يكون هذا البديل عن الولي شر الخلق أم رجلا متدينا. بل إن المتدين إن رضي أن يمارس هذا الدور الباطل فلا خير فيه ولا في تدينه، إذ تدينه المزعوم يضفي "شرعية" موهومة على هذا الزواج الباطل.
3) لكن ماذا عن حرص عجلان على إسلامية العرس وعلى ذكر الله كلما غشي سليمة...ألا يستحق هذا كله منا الثناء؟ أليس هذا أفضل مما لو جاء بالمغنيات في عرسه؟ أليس حرصه على قيام الليل معها أفضل من سهره معها على الأفلام الماجنة؟ أليس التقليل من شأن هذه الـ"إيجابيات" حدية وسلبية وعدم إنصاف؟ أليس لديكم أي اعتبار للجوانب "الإسلامية" من حياتهما؟
الجواب: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)). علاقة عجلان بسليمة دون إذن وليها علاقة خبيثة. فقراءة القرآن وذكر الله عند الجماع...هذا كله ذكر لله على استفتاح معصية! فلو أنهما أجلا الله عن ذلك لكان أقل إثما! وبقاؤهما في خلوتهما غير الشرعية يأثمان عليه حتى لو قاما الليل فيها.

4) ماذا عن الأولاد وإنفاق عجلان عليهم في دور تحفيظ القرآن؟
الجواب: بما أن النكاح باطل فالأولاد الناتجون غير شرعيين، وعجلان بصرفه مال المهر إلى دور القرآن بدلا من صرفه في مكانه ليكون نكاحه شرعيا...عجلان في ذلك آثم غير مأجور.

5) هل يعقل أن كل هذه التبعات الكارثية في علاقة عجلان بسليمة هي من خطأ واحد فقط في البداية، وهو عدم طلبها من أبيها؟
الجواب: نعم.فهذا الخطأ الواحد في البداية هو فرق ما بين النكاح الشرعي المبارك والزواج الباطل. وكل ما بني على باطل فهو باطل.
أحبتي في الله، إن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان هو طلب للشريعة من غير وليها. فاستئذان البرلمان في تطبيق الشريعة معناه جعله حكما على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام فلا يطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يطبق. فحتى لو افترضنا أن البرلمان اختار أن يطبق الأحكام الإسلامية كاملة، فإن هذه الأحكام لا تسمى إسلامية ولا تسمى تطبيقا للشريعة لأنها طبقت باسم البرلمان لا باسم الله، كما طلب عجلان فتاته من برمان لا من وليها.
فالمسألة ليست هل سيوافق البرلمان وهل سيوافق الشعب على أحكام الشريعة أم لا. بل مجرد استئذان البرلمان في تطبيقها يسقط عن هذه الأحكام صفة أنها أحكام الشريعة ويجعلها أحكام البرلمان.
ولا فرق هنا أطبقت هذه الأحكام دفعة واحدة أم طبقت بالتدريج. فما دام أن تطبيقها مرتبط بإذن البرلمان وصادر باسم الشعب فهي أحكام الطاغوت وإن كانت موافقة في الصورة لأحكام الله. إذ أن الطاغوت كل ما عبد من دون الله بإذنه، وادعاء حق التشريع وإلزام الناس بطاعته من صفات الطاغوت.
والمسألة هنا ليست مسألة شكلية. بل هي فرق ما بين العبودية لله والعبودية للبشر من دون الله.
أنت عندما تذبح الشاة تقول (باسم الله). فإن قلتها كانت ذبيحة تتقرب بها إلى الله وكان لحمها طيبا يجوز لك أكله. إن قلت: (باسم الشعب) أو (باسم البرلمان) كنت آثما مشركا لأنك تهل بها لغير الله، والذبيحة حينئذ ميتة ويحرم عليك أكلها.
المادة 24 من الدستور المصري تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب).
أي لأن الشعب أذن بها وأرادها.
هذه الكلمة التي يراها البعض بسيطة (باسم الله أو باسم البرلمان) هي فرق ما بين التوحيد والشرك، هي فرق ما بين الاحتكام إلى الله والاحتكام إلى البشر.

البعض يظن أن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان فرق شكلي عن تطبيقها إذعانا لله تعالى، ما دام أن الأحكام في المحصلة متفقة في صورتها. يعني يقول لك: نحن نريد أن تطبق الشريعة بأية طريقة. المهم أن نصل إلى تطبيق الشريعة.



والحق أن الاحتكام إلى البرلمان شرك، والفرق بعد ذلك بين أن تطبق أحكام موافقة للشريعة في الصورة أو مخالفة لها هو الفرق الشكلي.
إخواني هنا نقطة مهمة جدا:
تطبيق الشرع بحد ذاته لا يعتبر غاية قصوى، بل هو وسيلة لتحقيق العبودية لله عز وجلّ. فليس الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع بشكل مجرد، بل الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع المحقق للعبودية لله _عز وجلّ.

وإلا فأحكام الشريعة لنفعنا نحن معاشر البشر. الذي يريده الله منا أن يكون تطبيقنا لشريعته هو من باب الامتثال لأمره: ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم))
الهدف الأعظم من تطبيق شرع الله تعالى هو إظهار الخضوع والانقياد له تعالى وحين يخلو تطبيق الشريعة من هذا الهدف الأعظم فلا قيمة له عند الله عز وجل.
بالتالي فكل ما يريده الله منا هو هذه الكلمة: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله). أما إن كانت أحكام الشريعة تصدر وتنفذ باسم الشعب ((فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون))...ليس لله في هذه الأحكام نصيب.
كل ما يريده الله منا: أن نمتثل أوامره طاعة له تعالى، له وحده. هذه هي الكلمة التي يريدها الله منا: تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله.
تطبيق الشريعة إنما المقصود منه ان يكون مظهرا من مظاهر الإسلام. مامعنى الإسلام؟
الإسلام هو الاستسلام والانقياد التام والإذعان غير المشروط لحكم الله تعالى، وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله، لا لأن الأغلبية وافقت عليه. استئذان البرلمان في تطبيق أمر الله شرك بالله، بل إخضاع أمر الله لأمر البشر! ((ساء ما يحكمون)).
فمن اللحظة التي تصدر فيها الأحكام باسم البرلمان فقد انهار هذا المعنى، معنى العبودية، انهيارا تاما، ولا ينفع بعد ذلك كون النواب محترمين كبرمان، ولا البسملة في بداية الجلسات كما كان يبسمل عجلان عندما يأتي أهله، ولا المظهر الإسلامي لقرارات هذا المجلس كأولاد سليمة غير الشرعيين. ولا يثنى على نشاطات هذا المجلس ولا على ما ينتج عنه من مكافحة للفساد ورفع للظلم كما لا يثنى على صرف عجلان مهر فتاته لتحفيظ القرآن عندما استثقل تبعات طلبها من وليها. فطلب سليمة من برمان جعل العلاقة غير شرعية من أولها إلى آخرها، وجعلها باطلا، وكل ما بني على الباطل فهو باطل.
لذا فإني أتألم عندما يسألني البعض: طيب يا شيخ افترض أن البرلمان نجح فعلا في تطبيق الشريعة، هل تغير رأيك في المشاركة فيه؟ وهذا السؤال منقوض من نفسه، كأنهم يقولون: افترض أن برمان نجح في جعل زواج عجلان بسليمة زواجا شرعيا. هل ستغير رأيك في علاقتهما وتعتبرها شرعية؟ لن تكن علاقتهما شرعية إلا إذا طلب عجلان فتاته من وليها وتحمل تكاليف ذلك.
هذا المبدأ على وضوحه وبداهته أصبح-للأسف الشديد- موضع نقاش. وهذا من الثمار السلبية لمواقف الأحزاب "الإسلامية" من العملية الديمقراطية وتصريحاتهم المتخبطة بخصوص تطبيق الشريعة. في الواقع إخواني أهم أهداف السير في هذه السلسلة كان التنبيه على هذه الثمار المشؤومة لأخطاء الأحزاب "الإسلامية" ومن ثم تشخيصها وتحديد أعراضها وعلاجها. هذا المحور سيكون موضوع الحلقات القادمة يتبعها بإذن الله محاور أخرى مهمة. فتابعوا معنا.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الحلقة العشرون: هل ينال شرع الله بالقسم على مخالفته


الحلقة العشرون: هل ينال شرع الله بالقسم على مخالفته
 

 

السلام عليكم ورحمة الله. أحبتي الكرام دعونا نرتب أفكارنا. في حلقة (عبودية الديمقراطية وبداية الزلل) بينا بداية أن النظام الديمقراطي قائم على جعل التشريع لغير الله تعالى، ثم بينا أنه محبوك بحيث يخلع"الإسلاميون" الشريعة على أعتاب البرلمان، وأن أول باب يخلعون عليه دعوى تطبيق الشريعة هو قبولهم بقوانين الأحزاب التي تمنع من قيام حزب على أساس ديني، وأن هذا يجعلهم يستمدون "شرعيتهم" البرلمانية من الشعب الذي انتخبهم، وليس من الشريعة، وهو بالتالي تسليم منهم بمبدأ الديمقراطية.
ثم بينا أن الباب الثاني الذي لا يبقي أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة هو القسم على احترام الدستور الوضعي المصري. بينا نصوصا من هذا الدستور ترد التشريع إلى الشعب وتصدر الأحكام باسمه, وبالتالي فإن القسم على احترامه هو قسم على احترام إعطاء البشر صفة من صفات الربوبية، ألا وهي التشريع. ثم ذكرنا أحد أعذار البرلمانيين ألا وهو وجود المادة الثانية في الدستور التي تجعل الشريعة المصدر الرئيس للتشريع.لكننا وضحنا في الحلقتين الأخيرتين انعدام قيمة هذه المادة، بل أن عدمها أقل جرأة على الله من وجودها بنصها وسياقها وتحكم البشر فيها. هذا ما وضحناه في الحلقتين الأخيرتين.
إذن فليسلم معنا المنصف بأن القسم على احترام الدستور المصري هو قسم على احترام شرك التشريع: جعل البشر مشرعين من دون الله. ولا خفاء في حكم قسم كهذا في دين الله عز وجل. بل لو قال قائل: (أحترم أن يكون التشريع للبشر من دون الله) أو قال: (ليس التشريع لله) هكذا دون قسم، فهذا القول ينقض إيمانه. فكيف عندما يقسم على ذلك، وكيف عندما يقسم بالله العظيم على الشرك بالله العظيم؟!
إذن فليسلم معنا المنصف بأصل الحرمة ابتداء كخطوة أولى. في الخطوة الثانية تعالوا نستعرض أعذار البرلمانيين "الإسلاميين" التي يبررون بها قسمهم هذا ليخرجوه عن أصل الحرمة ونعرض هذه الأعذار على ميزان الشرع:
في الواقع عند استعراض هذه الأعذار ترى مناقشةً للموضوع بمنظور مختلف تماما عن المطلوب، وكأننا نتكلم عن لمم من الإثم لا عن قضية متعلقة بالإيمان ونقضه!
فأول هذه الأعذار: أن بعض النواب "الإسلاميين"يقولون عقب قسمهم: (فيما لا يخالف شرع الله)!
فأقول إخواني: في حل المعادلات الرياضية نرفع الرمز ونضع مكانه الرقم الذي يساويه. في حالتنا هذه:
الدستور والقانون الوضعيان = جعل التشريع للبشر إن كان هذا التعبير أخف وقعا من وصف الكفر بأن الله تعالى هو المشرع.
فعندما يقول البرلماني "الإسلامي": (أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون بما لا يخالف شرع الله)، فماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للناس من دون الله العظيم بما لا يخالف شرع الله)؟! ماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم سلب التشريع عن شرع الله بما لا يخالف شرع الله)؟!
ولذا فهذا القسم محال التطبيق كمن يقول: أقسم بالله أن أقعد واقفا وأنام صاحيا!
إخواني هذه ليست مبالغة ولا تحميلا للكلام ما لا يحتمل...هذا نزع أغلفة الزينة لنكتشف مرارة واقع المسألة.
والعجيب أن القاعة تضج بالتصفيق عندما يصر النائب عليها وكأنه فعل ما عليه وتجنب الإثم والخطأ!
فمثل هذا القسم تلبيس على الناس، وتمييع لمفهوم أن الدستور يصادم الشريعة مصادمة كاملة كلية جذرية. فالدستور شريعة البشر القائمة على جعل التشريع للبشر، فهو على النقيض من شريعة الله.
المسألة ليست أنه يحتوي على مواد مخالفة بل هو المخالفة ذاتها.
العذر الثاني: أن البرلماني يغير نية القسم في قلبه.
فمنهم من قال: ينوي أنه يحترم المادة الثانية أو ما لا يخالف الشريعة، وقد بينا بطلان هذا كله فيما تقدم. وقال بعضهم: ينوي بقلبه أنه يحترم القرآن، الذي هو دستور المسلمين. ثم يسترسلون في بيان أحكام التورية وأن النية يمكن أن تكون على نية الحالف لا المستحلف وتضيع القضية في هذه التفاصيل التي ليست هي محل نقاشنا. ويتغاضى تماما الحديث عن التلبيس الحاصل على الناس في أخطر قضايا عبوديتهم لله تعالى وخضوعهم لشرعه.
نسأل البرلمانيين هنا سؤالا طرحناه من قبل:
أنتم عندما دخلتم البرلمان وأقسمتم هذا القسم، ما هدفكم تحديدا؟ إصلاحات جزئية أم إقامة الشريعة؟
أما إن كان الهدف إصلاحات جزئية، فهل يجوز القسم على احترام جعل التشريع للبشر بدلا من الله، ولو توريةً، من أجل هذه الإصلاحات؟
وأما إن قلتم هدفنا إقامة الشريعة، فهنا لا بد من وقفة.
فنقول:هل يُتصور إقامة الإسلام بالقسم على إضفاء صفة من صفات الربوبية على البشر؟! وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل ذلك؟ لو قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسجد لصنم من أصنامنا مرة ونسمح لك حينئذ بأن تحكمنا بما شئت)، هل كان سيقول: (أسجد أمام الصنم بنية أن سجودي هذا لله لا للصنم في مقابل هذه المصلحة العظيمة)؟
إجابة عن هذا السؤال تعالوا نتذاكر قول الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَخَذُوكَ خَلِيلاً ﴿73﴾ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴿74﴾ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾
إذا استعرضنا ما ورد في سبب نزول هذه الآية وجدنا أن قريشا طلبت من رسول الله أن يظهر شيئا من الاحترام لأصنامهم، شيئا يسيرا دون العبادة، كأن يمس أصنامهم مسا...فإن فعل دخلوا في دينه...قالوا: (يا محمد تعال فاستلم آلهتنا وندخل معك في دينك). وقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه ولا حتى مقاربة الميل إلى تلبية طلبهم، وذلك بتثبيت الله له. إلا أن الله تعالى بين أنه لو وقع منه عليه السلام ركون قليل إلى ما طلبوه لعذبه عذاب الضعف في الحياة وعند الممات! ﴿إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾...العبادة لم تحصل، بل ولا إظهار الاحترام، بل ولا الميل إلى إظهار الاحترام...ومع ذلك يأتي الوعيد الشديد من الله تعالى على الحالة الافتراضية من حصول الميل إلى إظهار شيء يسير من الاحترام مهما كان المقابل مغريا. ذلك أن جناب التوحيد لا بد أن يبقى ناصعا واضحا وأن يُحرس حراسة عظيمة ولا يحام حول حماه.والخطاب لرسول الله خطاب لأمته من بعده، والتحذير له تحذير لأمته، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس أن يقع منه هذا الركون.
إخواني قضية التلبيس الحاصلة للناس بقسم كهذا لا تعطى حقها أبدا في النقاش. فترى البرلماني يناقش مسألة التورية ونية الحالف والمستحلف ولا يأخذ في الحسبان التلبيس على الناس بقسمه هذا. في وقت نعلم فيه أن هذه الدساتير حلت محل الشريعة وعظمت أكثر من تعظيم الشريعة، بل وعقوبة سب الدستور أكبر من عقوبة سب الله تعالى. ثم يأتي البرلماني "الإسلامي" أمام الناس ليقسم بالله تعالى على احترامه وتوطيد أركانه...هذا كله لا يأخذ أدنى نصيب من النقاش والاعتبار.
انظر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضبط ألفاظ الصحابة لرعاية جناب التوحيد مع علمه بأن ألفاظهم هذه كانت تصدر منهم بنية سليمة.فلما قيل له: ما شاء الله وشئت رد عليه السلام: (أجعلتني لله عدلا! بل ما شاء الله وحده)...وهؤلاء يلبسون على الناس بقسمٍ على ما يجعل البشر عدولا لله، بل مشرعين بدلا من الله.
لم يقل الدستور ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده. وليس هذا سوء تعبير مع نية سليمة كنية الصحابة، بل نص ملزم تتبعه قوانين نافذة يعاقب من خالفها. فأين حراسة جناب التوحيد يا أصحاب القسم؟ أبهدم التوحيد والتلبيس على الناس تقيمون الشريعة؟
ثم هؤلاء الذين يقولون: (نتحمل مفسدة القسم مع التورية من أجل مصلحة إقامة الشريعة)، وقد يستدلون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لمحمد بن مسلمة أن يوري أمام كعب بن الأشرف اليهودي بكلام يظهر منه عدم القناعة بالإسلام إذ قال: (إن هذا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قد عنانا وسألنا الصدقة) وقال: (فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه، حتى ننظر إلى ما يصير أمره)...أذن له أن يقول هذا الكلام ليأمنه كعب بن الأشرف فيتمكن محمد بن مسلمة من قتله وإراحة المسلمين من شره وتأليبه للكافرين على رسول الله.
فنقول: هل تصلح هذه الحادثة للاستدلال على واقعكم؟ هل واقعكم كواقع محمد بن مسلمة إذ ورى –بإذن النبي- تورية في لحظة فاصلة القصد منها خلع الكفر من جذوره ودحره؟ دون أن يتبعه أي عمل مخل بالإيمان ودون تلبيس على المسلمين في قضية الاحتكام إلى الشريعة؟ ودون أن يكون عمله هذا خداعا للمسلمين قبل الكافرين. ودون أن يتحول الدين عنده إلى تقية سياسية تضعف فيه ثقة الجماهير الإسلامية.
هل كل ما يطلب منكم هو هذا القسم الذي به تدخلون قمرة القيادة لقطار البلد لتعلنوا منها ان الحكم لله وأن كل دستور خالفه فهو باطل وتحرفوا على الفور مسار القطار لتضعوه على سكة الشريعة؟ هل المسألة بهذه البساطة؟
أم أن واقع الأمر أن البرلمانيين يقسمون ليدخلوا مجلسا تشريعيا تظله قوانين الدستور التي تجعل التشريع للشعب والأحكام صادرة باسم الشعب. وإنما يصول البرلمانيون بعد ذلك ويجولون وفق مواد هذا الدستور، فانخراطهم في مجلس كهذا هو احترام عملي للدستور يصدق عمليا ما أقسموا عليه بألسنتهم، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال. فلا هي لحظة فاصلة بين الإيمان والضلال، ولا هو قسم يتبعه استئصال الجاهلية من جذورها، بل يتبعه فعل محرم في ذاته، ويلبَّس به على الناس وكأنه خداع لهم قبل أن يكون خداعا لأعداء الشريعة!
فالبرلمانيون يقسمون قسمهم ليدخلوا قمرة القيادة لقطار يسير على سكة مرسومة. لا يهم من في قمرة قيادة هذا القطار طالما أنه يسير على السكة الديمقراطية المرسومة له مسبقا. فالمطلوب تغيير السكة لا تغيير الطاقم في قمرة القيادة.
إذن فعند مناقشة جزئية القسم ينبغي وضعها ضمن المنظومة والسياق الديمقراطي الذي افتَعل القسم ليكون إعلانا باللسان يتبعه إعلان بالعمل أن مرد التشريع إلى البرلمان. فبالإضافة إلى إشكاليتنا مع القسم ذاته فالإشكالية مع سياقه وما يُقسَم من أجله أكبر.
لعل قائلا يقول: لماذا تركز على هذه المواد من الدستور ولا تذكر المواد الأخرى التي تحفظ للمواطن إنسانيته وحريته وكرامته ومساواته بالآخرين؟ وليسمح لي من يتساءل تساؤلا كهذا أن أقول له: هان عليك حق الله تعالى! ما من مبدأ جاهلي قديم ولا حديث إلا وفيه هذه الشعارات الرنانة عن الحرية والمساواة، لكن ما الفائدة إن ضُيع حق الله تعالى؟ عندما نتكلم عن إشراك العباد مع الله في صفة من صفاته فإن نقطة من هذا التجرؤ على الله لو وضعت في محيط من الحسنات لأفسدته...((ولقد أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)).
ثم لعل قائلا يقول: (كل هذا من أجل كلمة، كلمة يقولها القائل ونيته طيبة وقصده شريف)؟! فنذكر أن المرء يدخل الإسلام بكلمة، ويخرج منه بكلمة، وأن الله وصف قولا فيه شرك بأنه ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))...ونذكر بحديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم)).
إخواني كان هذا فيما يتعلق بالضمانات التي وضعتها الديمقراطية لتضمن بها حماية نفسها كنظام بشري وضعي وتمنع التسلق من خلالها لتطبيق شريعة الله عز وجل.الحلقة القادمة هي في نظري أهم حلقات السلسلة تعرض لحقيقة كبرى غُيبت والتبست على كثير من الخاصة فضلا عن العامة فانتظروها واسألوا الله لأنفسكم ولأخيكم وللمسلمين الهداية والعصمة من الفتن. والسلام عليكم ورحمة الله.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الحلقة التاسعة عشر: المادة الثانية وإخضاع الشريعة للبشر


الحلقة التاسعة عشر: المادة الثانية وإخضاع الشريعة للبشر
 


 
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي الكرام في الحلقة الماضية رأينا أن نص المادة الثانية من الدستور المصري لا يصلح أبدا كمدخل لمن يريد تطبيق الشريعة من خلاله. ثم قلنا سيعترض معترض بأن هناك ما يجعل لهذه المادة أهميتها، وهو قرار المحكمة الدستورية العليا القائل: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها).

نقول إخواني: هذا القرار لا يغير من واقع المسألة شيئا لسببين، سنفرغ بداية من الأقل أهمية منهما:
السبب الأول: هو إبقاء المحكمة الدستورية مفهوم الشريعة عاما غير محدد، حيث فسرت الأحكام الشرعية بأنها: (تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)ـ
إذن لاحظ: مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا.
فإذن عدنا إلى كلمة (مبادئ)، التي بينا عموميتها في الحلقة الماضية.
أما كلمة (الثابتة)، فمن الثبوت، أي أن تكون قطعية الثبوت.

ومعلوم أن العلمانيين والحداثيين في مصر ما فتئوا، وبدعم من وزارة الثقافة المصرية، يطعنون على السنة النبوية وينكرون ثبوتها وحجيتها، لكي يخلصوا من ذلك إلى ترك أحكام القرآن دون دلالة وهم يعلمون قاعدتنا...(إذا حاجك أهل الأهواء بالقرآن فحاججهم بالسنة فإن القرآن حمال وجوه).


لدينا القرآن والسنة. عندما يقول قرار المحكمة: (أصولها الثابتة) يُخرجون السنة، ثم عندما يقول: (لا تحتمل تأويلا) يخرجون القرآن الذي يتأولونه ألف تأويل بعيدا عن السنة.




وزيادة في تضييع الشريعة نصت المحكمة الدستورية في حكمها أنه: (ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا). وهذا النص يُمَكِّن من الاعتماد على رأي شاذ مخالف للإجماع.
وعند الحاجة يمكنهم طبعا الرجوع إلى آراء الشيعة، معتمدين على ما قاله الدستوري المستشار عبد الرزاق السنهوري في كتابه (الوسيط في القانون المدني للسنهوري): (ومذهب الإمامية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد)!




بعد هذا كله، هل هناك كتاب معتمد لدى المحكمة الدستورية اسمه (مبادئ الشريعة الإسلامية الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)؟ هل لديها كتاب كهذا يمكن أن نتصفحه لنعرف ما هي هذه المبادئ والأصول؟ بالطبع لا. فالأمر يراد له أن يبقى هلاميا عاما.
سيقال: لكن حصل أن يستفاد من هذا القرار، عندما قُضي لصالح موظفين في مصر للطيران بعد أن فُصلوا لامتناعهم عن تقديم الخمور. فأقول إخواني: الباطل يعلق الناس بأمل وهمي حتى يبقوا مخدوعين به تائهين في دهاليزه بدلا من أن يبين لهم قبحه فييأسوا منه ومن دهاليزه ويبحثوا عن المخرج الحقيقي. وإلا فماذا استفاد البرلمانيون "الإسلاميون" من هذا القرار طوال السنوات الماضية؟ هل استطاعوا أن يأسلموا القوانين من خلالهما؟ ألم يكن القرار موجودا والخمارات وبيوت البغاء مفتوحة على مصراعيها بقوة القانون؟ والكتب تؤلف والإعلام ينضح بالسخرية من الله وكتابه ورسوله؟ والدعوة تحارب والأنفاق تُردم على أهل غزة والمسلمات يُسلَّمن للكنيسة...هل استفاد الإسلاميون من قرار المحكمة الدستورية في وقف هذا كله؟ بل سُنت قوانين جديدة مخالفة للشريعة في ظل وجود هذا القرار, وبقيت الشريعة غائبة عن القوانين الجنائية والسياسية والعسكرية والتجارية والإدارية. فلِمَ لم تُستخدم هذه المادة لإبطال هذه القوانين المخالفة لشرع الله؟




فموافقة حكم شرعي في حادثة أو حادثتين لا يزيد عن أن يكون استنزافا لطاقات الإسلاميين وإيهاما لهم بوجود أمل في أسلمة الواقع من خلال الدستور الوضعي المهترئ...




كان هذا السبب الأول لقولنا أن حكم أو قرار المحكمة الدستورية لا يعين أبدا على تطبيق الشريعة. السبب الثاني والأهم:
هو أن الدستور والمحكمة الدستورية يُخضعان الشريعة لحكم البشر! فما يطبق من أحكام الشريعة لا يطبق لأنه حكم الله، بل لأن الدستور ومحكمته ومن ثم البرلمان أذنوا لهذا الحكم بالتطبيق. وهذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو تأليه للبشر بجعلهم حكاما على شريعة رب البشر متحكمين بها.




إن المادة الثانية لا تُعرض من الناحية الدستورية البحتة على أنها (حكم الله أو شرعه) الذي لا راد له ولا معقب، بل تعرض على أنها (اختيار وحكم الشعب) القابل للأخذ والرد والتعديل، لأن سلطة الشعب والبرلمان فوق الشريعة وحاكمة عليها! ومن حق البرلمان أن يعدلها أو يلغيها في أي وقت متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور، وبالتالي فهي لم تُـشـرع على أنها تعبد لله أو إذعان لحكمه أو تسليم له ولشريعته، بل شرعت لأنها توافق هوى البرلمان وحكمه واختياره!




فالدستور يخضع الشريعة لأهواء البشر في كل المراحل:
فأولا: وجود المادة الثانية منوط بإرادة البرلمان. فالمادة 189 من دستور 71 تقول: (لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور)، وهذا طبعا يشمل المادة الثانية. وكذلك المادة 60 من الإعلان الدستوري تعلق العمل بالدستور بموافقة الشعب عليه، دون أدنى إلزام بوجوب موافقته للشريعة. وبالتالي فليس في الدستور ما يُلزم ببقاء المادة الثانية.




ثانيا: قررت المحكمة الدستورية أن تأثير المادة الثانية يقتصر على (القوانين التي صدرت بعدها فقط)! أما القوانين القديمة فلا تأثير للمادة الثانية عليها.




ثالثا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور، فتأثيرها يقتصر على (القوانين) فقط، وليس على (مواد الدستور) الأخرى. بل نص من يُسمون فقهاء الدستور على تقييد مادة الشريعة الإسلامية بباقي مواد الدستور المخالفة للشريعة، فقد قال السنهوري في وسيطه: (يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الحكم الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه) [الوسيط في القانون المدني للسنهوري 1 / 48 - 49]ـ
وقال المستشار حامد الجمل: (والمادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين).
يعني إذا خالف حكم من أحكام الشريعة مبدأً من مبادئ الدستور كسيادة الشعب والمدنية والمواطنة وحرية الردة وولاية الكافر وغيرها، فما الحل؟ الحل أن يرد حكم الله ويُعمل بحكم الدستور، إذ لا يجوز عندهم أن يُعمل بحكم الله في هذه الحالة...((كبرت كلمة تخرج من أفواههم)).




رابعا: تحديد ما إذا كانت القوانين الجديدة موافقة أو غير موافقة للمادة الثانية لا يخضع لأية أسس شرعية. فالجهة المخولة بتحديد ما إذا كان القرارات الجديدة مخالفة للمادة الثانية أم لا هي المحكمة الدستورية، التي ليس لأعضائها أهلية شرعية بل يحكمون بإعمال الدستور ولا يخضعون في تقييمهم لأية معايير شرعية. وبالتالي فتفسيرهم للمادة الثانية، والذي فرح به الإسلاميون البرلمانيون، هذا التفسير قابل للطعن، والمحكمة قد تغير رأيها، وأعضاؤها قد يتغيرون، وليس هناك ما يلزم ببقاء قرارها ما دام أن المحكمة ذاتها لا تتخذ الشريعة مرجعية بل تُخضع الشريعة لقواعد الدستور الوضعي.




خامسا: المادة الثانية ليس لها أي تأثير أو سلطة أو سيادة على البرلمان في عملية إصداره لقراراته، ولا تجبره على قبول أي حكم شرعي.
فإذا كان القانون المراد تشريعه أمراً من الفرائض أو الواجبات الشرعية مثل فرض الزكاة مثلا. فمن حق البرلمان دستوريا حينئذ أن يرفض حكم الله طبقا لرأي الأغلبية. فإن رفضت الأغلبية حكم الله فلا أحد يجبرهم عليها، ولا حتى المحكمة الدستورية.




سادسا: على فرض أن البرلمان وافق على حكم من أحكام الله، فإنه لا يصدر إلا بعد أن يُنزع عنه صفة أنه حكم الله ويُكسى بصفة (حكم الشعب)، ليعطيه صفة برلمانية دستورية. وهذا هو حرفيا معنى المادة الثالثة التي تقول:
(السيادة للشعب وحده)، والمادة الرابعة والعشرين التي تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)، أي لأن الشعب أرادها، إذ هو في الدستور يحكم لا معقب لحكمه.
قال المستشار حامد الجمل: (وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري) [جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ
أي أنها لا تطبق لأنها شريعة الله، ولا لأن الدستور اعتبرها مصدرا، ولكن يطبق منها ما يأذن البرلمان المشرع بتطبيقه من حيث هو حكمه لا من حيث هو حكم الله.
- وهذا هو نص فلاسفة الدولة المدنية كتوماس هوبز الذي قال: (إنَّ الكتابَ المقدسَ لا يصبحُ قانونًا إلَّا إذا جعلَتْهُ السُّلطةُ المدنيَّةُ الشرعيَّةُ كذلِكَ) (ص/258).




سابعا: المادة الثانية لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب "المشرعين" في البرلمان. وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن (الحكم في المحاكم بالقانون)، وشبيه بها مـــــادة 46 من الإعلان الدستوري التي تنص على أن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون). ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ومعروف في ذلك حادثة القاضي المصري المستشار محمد محمود غراب الذي حكم بالحد الشرعي على رجل ضبط بحالة سكر بَيِّن بالطريق العام، فنُقض حكمه بموجب الدستور وتم عزله من العمل القضائي.




ملخص القول أن الشريعة الإسلامية في الدستور المصري ليست حاكمة بل هي محكومة. وتجدر الإشارة أني في هذه الحلقة أنقل كثيرا عن مبحث على الإنترنت بعنوان (المادة الثانية في ميزان الإسلام، حقائق مغيبة)، لم يُحدد كاتبه, وهو مبحث عظيم النفع جدا، من أرقى ما قرأت في طريقة توثيقه وعرضه وتأصيله، جزى الله كاتبه خير الجزاء، وأنصح إخواني جميعا بقراءته والاستفادة من منهجيته التوثيقية التحليلية.




هذه هي المادة الثانية وهذا هو تفسير المحكمة الدستورية لها في سياق الدستور...مادة مقيدة قاصرة مموهة مبتورة مزوية محكومة ذليلة، بينما شريعة الله عزيزة قاهرة مطلقة واضحة حاكمة.




إخواني، وأنا أحضر هذه المادة ماعت نفسي وكدت أصاب بالغثيان لما أراه من تجرؤ البشر على ربهم. ألا لعنة الله على الظالمين ((الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا))... والله إن هجران شريعة الله بالكلية لأقل وقاحة من العبث بها والتعالي عليها وإخضاعها لأهواء البشر بهذا الشكل. ألا لعنة الله على قلوب تشمئز إذا ذكر الله وحده، وشاهت وجوه ترفع جبهتها رفضا لشريعته، وذلت نفوس تستعلي على رب العزة.




ثم ماذا أصابكم أيها "الإسلاميون" البرلمانيون؟ أهذه المادة التي تصرون على بقائها وتعتبرونها خطا أحمر؟! أهذه المادة التي تريدون تفعيلها لا تعديلها؟! أهذه المادة التي تبررون بها قسمكم على احترام الدستور؟! أهذا الدستور الذي يسميه بعضكم دستورا محافظا وجيدا؟! أهذا الدستور الذي لا يحتاج سوى تعديلات طفيفة؟!




هل أسمى أمانيكم أن تعرض أحكام الله على البرلمان حكما حكما، ثم تلتمس أعذار لهذه "الأحكام" من القوانين الوضعية، فيستمع البرلماني صاحب البول والغائط لهذا الحكم وهو ساحل في كرسيه واضع رجلا على رجل يهز قدمه ويتثاءب. ثم يصوت، فإن لم يعجبه حكم الله هز حاجبه ورفع يده بالرفض، كصورة دكتاتور يأمر بأخذ سجين للإعدام! وإن وافق فلسان الدستور يقول: ليس لأنه حكم الله بل لأنه حكم البرلمان؟!




والله لو لم يكن من مفسدة لتنازلاتكم إلا تهزيل صورة الشريعة بهذا الشكل لكفى. شريعة الله أيها البرلمانيون لا تطبق من خلال ثغرة في الدستور والقانون فاربأوا بها عن هذا المقام الدنيء. ولا والله لا معنى للتشبث بهذه المادة وسط ركام من جعل البشر أربابا يشرعون من دون الله وتجب لهم الطاعة بنص الدستور.
-لم تغيِّر المادة ولا تفسيرها من حقيقة الدستور المصري شيئا، بل بقي الدستور تمرغا في وحل العبودية للبشر. حاكها أرباب الدستور وقيدوها بمواده لتكون ((كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب () أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)) ظلمات في نصها وظلمة في سياقها وظلمة في تقييدها وظلمة في قصورها وظلمة في تفعيلها ((إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور))
هذا الدستور لم يجعل الله له نورا، فما له من نور، فوالله أيها البرلمانيون، لو أوقدتم له ألف شعلة ورقعتم له ألف خرق فما له من نور ولا لجيفته إلا القبور. فبطلانه بطلان أصلي لا يُصلح، وكسره لا ينجبر وما بني على باطل فهو باطل.




خلاصة الحلقة: المادة الثانية موجودة في الدستور باسم الشعب، وهي قابلة للإلغاء، ولا تفعَّل في القوانين السابقة لها، وهي مقيدة بمواد الدستور غير الشرعية، وتفسيرها لا يخضع لأسس شرعية، ولا تجبر البرلمان على القبول بحكم شرعي، وإن تسبت في إصدار قانون فإنما يُصدر باسم الشعب لا لأنه حكم الله.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الحلقة الثامنةعشر: هل المادة الثاني من الدستور المصري تؤسلمه؟



الحلقة الثامنةعشر: هل المادة الثاني من الدستور المصري تؤسلمه؟
 



السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الديمقراطية تفرض على النائب الإسلامي أن يستمد شرعيته من الشعب لا من الشريعة، وأن قوانين الأحزاب والانتخاب تكرس ذلك. فخضوع النائب الإسلامي لهذه القوانين هو تخلٍّ عن الشريعة من الخطوة الأولى.


وقلنا أنه مع ذلك فإن الذين حبكوا النظام البرلماني وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة. الباب التالي هو القسم على احترام الدستور الوضعي. ففي مصر مثلا، المـــادة 42 من الإعلان الدستوري تقول:
يقسم كل عضو من أعضاء مجلسي الشعب والشورى أمام مجلسه قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية :
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون".

طبعا الدستور الأخير هو دستور 1971 الذي جرت عليه تعديلات عديدة ومن ثم تبعه الإعلان الدستوري ولواحقه. تعالوا الآن نرى بنودا من الإعلان بصيغته الأخيرة التي أقسم النواب الـ"إسلاميون" على احترامها:
مادة 1: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة
إذن فالنظام ديمقراطي يقوم على جعل التشريع للبرلمان، لا لله، ويقوم على أساس المواطنة، إذن لا اعتبار للدين في حقوق وواجبات حكم الشرع بالتفريق فيها، وبالتالي فالدستور يمَكِّن النصراني والمرتد أن يتولى الحكم أو القضاء مع الإجماع الشرعي على عدم جواز ذلك. وهذه المخالفة الصارخة تؤكدها مرة أخرى المــــــادة 7 التي تقول:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.


نتجاوز المادة الثانية لنعود إليها بعد قليل.


المادة الثالثة:

(السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات –أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية).
هذه المادة تأكيد على أن السيادة ليست للشرع والخضوعَ ليس لله، بل الشعب هو الذي يشرع لنفسه.
مــــــادة 24: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)...لاحظوا، لاتنفذ من حيث هي حكم الله بل لأن الشعب أرادها. أي يكون صدور الاحكام تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله.
مـــــادة 33: (يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع):
تأكيد رابع على أن المشرع ليس ربَّ الشعب سبحانه، بل الشعب ومن ينوب عنه.


إخواني هذه المواد هي أحجار الأساس في النظام الديمقراطي، هي أركان دين الديمقراطية المصادم لدين الله تعالى القائل: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))،

والقائل: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون))
تحكيم الشعب والبرلمان هو اتباع لأهواء البشر الذين إن انقطعوا عن الوحي فهم لا يعلمون.


وهذا هو الدستور الذي يقسم النائب الإسلامي على احترامه. يعني مؤدى قسمه: أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للشعب بدلا من الله العظيم!

قسمٌ بالله على احترام دين غير دين الله! قسم بالله على احترام اشتراك بشر مع الله في صفتة من صفات ألوهيته وربوبيته، وهي التشريع ووجوبُ الطاعة لهذا التشريع. هذا هو مؤدى القسم.
بل قد أقر البرلمانيون "الإسلاميون" الإعلان الدستوري ووافقوا عليه بصورته هذه والله المستعان!


وطلب القسم هذا من التناقض العجيب في دين الديمقراطية، فهي تمنع النائب من الانتساب لحزب ديني أو رفع شعار ديني في حملته، ثم لتضمنَ الديمقراطية لنفسها التزام النائب بها تجعله يقسم قسما دينيا!

سيقول قائل: لكن المادة الثانية من الدستور المصري ذاته، وكذلك من الإعلان الدستوري تنص على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).


فنقول إخواني هذه المادة إمعان في الضلال. لماذا؟ دعونا بداية نتناول نص المادة فقرة فقرة بمعزل عن الدستور، ثم نضعها في سياق الدستور المصري لنرى هل هذه المادة موافقة لدين الله تعالى:

أولا: نص المادة:
أما (الإسلام دين الدولة) فمعروف أن هذه العبارة لا تحمل عند أرباب الدستور أي معنى تشريعي، بل هي ديكور وتلبيس وإلجام للأفواه وضحك على الذقون. إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى من يسب الله جهارا في وضح النهار في بلاد المسلمين ومن يسخر من أحكامه... في هويته عبارة: (الديانة: الإسلام). لو تقدمنا بشكوى ضده في المحاكم فهل تستطيع أن تقنعها ولو بحذف هذه العبارة من هويته؟ لن تستطيع. إذا مات أبوه فهل تستطيع أن تقنع المحاكم بألا تورِّثه لأن الكافر لا يرث المسلم؟ لا تستطيع. إذا أراد الزواج بمسلمة هل تمنعه الدولة؟ لا تمنعه...لماذا كل هذا؟ لأن دين هذا الرجل رسميا عندها الإسلام. بل لعلك إن اتهمته بالكفر والردة وقدم ضدك دعوى تشهير فإنه يكسب القضية!


فالدولة التي تصر على أن دين هذا الرجل رسميا هو الإسلام هي ذاتها التي تكتب في دستورها (الإسلام دين الدولة). ومدلول كلمة

دين في هوية هذا الرجل هو كمدلولها في الدستور. فهذه الفقرة لا تحمل أية أهمية تشريعية أو غير تشريعية.


الشق الثاني من المادة:

ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. إذا علمنا أن رد التشريع إلى الله
هو من توحيد الربوبية وتوحد الألوهية كما أسلفنا، فإن معنى هذه المادة بالضبط: (الله هو الإله الرئيسي)، أو: (لا إله رئيسي إلا الله)! وهذا لا يختلف كثيرا عن منطق العرب في الجاهلية حين كانوا يرون ان الله إله رئيسي لكن معه آلهة أخرى!
قال تعالى: ((ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير))...إذا دعي إلى تحكيم الشريعة فحسب رفضوا، وقالوا بل لا بد من إشراك مصادر أخرى معها.
((وإذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون))


هذا النص (المصدر الرئيسي) يعني بأن مبادئ الشريعة معروضة ضمن تشريعات أخرى أمام البرلمان المشرع الذي ادعى لنفسه صفة من صفات الربوبية والألوهية. فيتنقي البرلمان من الشريعة ما يعجبه ويرد ما يعجبه. وينتقي من غير الشريعة من قوانين البشر ما يراه أصلح من الشريعة في جانب من الجوانب...وهذا إشراك لمصادر أخرى مع الله في التشريع...والله أغنى الشركاء عن الشرك وهو القائل: ((ولا تشرك في حكمه أحدا)).

فإن قال قائل: لماذا لا تحمل هذه العبارة على الاستفادة من مصادر أخرى فيما لم تحكم به الشريعة؟ فالجواب أن الشريعة ذاتها تقرر كيفية الاستفادة من المصادر الأخرى بما لا يخالف أحكامها، فما الحاجة لكلمة (الرئيسي) إذا؟!
جنكيز خان في ياسقه ونابليون بونابرت في حكمه لمصر وغيرهما كانوا يأخذون من أحكام الشريعة الإسلامية ضمن شرائع أخرى. فهل جعل ذلك حكمهم إسلاميا؟!


كان هذا بالنسبة لعبارة (المصدر الرئيسي للتشريع). هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ لا! بل إمعانا في الضلال تقول المادة: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)
ما هي مبادئ الشريعة عندهم؟ العدالة والرحمة والكرم والسماحة والتقدم والرقى والحضارة وحفظ النفس والمال. وهذه هي أيضا المبادئ المعلنة للنصرانية والبوذية والهندوسية والكنفوشية والبهائية والقاديانية بل والاشتراكية والشيوعية! نص هلامي لا يسمن ولا يغني من جوع!


وعندما اقتُرح تغيير النص إلى (أحكام الشريعة الإسلامية)، اعترض بعض الـ"إسلاميين" المصرين على ترك الأمور هلامية مائعة مطاطة، وهو ذاته الفصيل الذي قال قائله: (إنما سنسعى إلى تطبيق مبادئ الشريعة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة)!
إذن ففي هذه المادة (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)، لا كلمة دين لها دلالة ولا أثر، ولا كلمة مبادئ لها دلالة ولا أثر، ولا عبارة (المصدر الرئيسي للتشريع) تعني إفراد الله عز وجل بحق التشريع.
إذن فقد بينا أن أرباب الدستور حبكوا المادة الثانية في مفاصلها الثلاثة لتمنع تطبيق الشريعة وتبقى مع ذلك زخرفا من القول تذر الرماد في العيون وتضحك على الذقون!


سيقول قائل: (لقد غابت عنك حقيقة مهمة جدا!) ما هي؟ أن المحكمة الدستورية العليا قضت بقرار يجعل لهذه المادة أهميتها، بحيث إذا أحسن الإسلاميون استغلالها فإنها تؤسلم الدستور والقانون بالفعل. هذا القرار هو: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها)...أقول إخواني: لم يغِب عنا ذلك. بل هذا القرار لا قيمة له مطلقا! لماذا؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة عندما نضع المادة الثانية في سياق الدستور المصري لنرى أن هذه المادة لا تصلح متعلقا لغريق أبدا ولنرى مدى الغفلة أو التغافل الذي أصاب الإسلاميين البرلمانيين المتمسكين بهذه المادة.

خلاصة الحلقة: نص المادة الثانية من الدستور المصري هلامي متضمن لإشراك البشر في التشريع مع الله تعالى.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad
Google